wrapper

التلاتاء 23 أبريل 2024

مختصرات :

*بقلم: عبد الكريم ساورة


‎أمر مؤسف جدا أن يحدث ذلك، هكذا أخبرني أحد الأصدقاء، فأجابته وماذا حدث ؟ ماذا سأحكي لك ياصديقي، كل يوم نرجع به ألاف الخطوات إلى الوراء، لا أعرف ماذا حدث لنا نحن المغاربة، لماذا بدأنا نفقد كل ود بذواتنا، بأخلاقنا التي تربينا عليها، لقد تحولنا بقدرة ما لا أعرفها ولا أفهمها ولا أستطيع استسغاءها إلى مجتمع كافر، كافر بتأدية الواجب .


‎بعد ذلك عرفت الحكاية، أمر بسيط جدا، فقط صديقي حساس جدا، ومفرط في العاطفة اتجاه الأحداث ذات الطابع الإنساني، كل مافي الأمر، أن سيدة كانت على متن حافلة في رحلة من مدينة الدارالبيضاء إلى مدينة قلعة السراغنة وطلبت من السائق عند الوصول إلى مدينتها إدخالها إلى المحطة  لأن الوقت كان بعد منتصف الليل، والنزول على  قارعة الطريق فيه تهديد لحياتها وحياة ابنتها التي لاتتعدى ثلاث سنوات، لكن السائق رفض رفضا مطلقا وبرر رفضه بأن الطريق لازالت أمامه طويلة للوصول إلى مدينة أخرى كانت هي نهاية الرحلة.
‎توسلت المرأة للسائق وقالت له : إن القانون يلزمك بالدخول إلى المحطة لمدة عشر دقائق وبعد ذلك لك الحق في متابعة الرحلة، لكن السائق رد عليها : من أنت لتعطيني التعليمات، أنا سيد نفسي. أنا من يسوق الحافلة وأنا من يختار المكان الذي يناسبني لأقف فيها دون أي ضغط  أو توجيه أو ازعاج من أحد.
‎وصلت الحافلة إلى المدينة، اقترب السائق من المحطة وطلب من السيدة أن تنزل، رفضت الأمر بشدة، وقالت له : ولو على جثثي، فرد عليها السائق : إذن فلتتحملي تبعات إصرارك وعنادك الذي سيؤدي بك إلى مالايحمد عقباه، وفي اللحظة التي حاول الانطلاق، ارتمت السيدة وأمسكت مقود الحافلة بشدة، وهي تبكي وتصرخ، كانت تصرخ بشدة وتقول : هذا ظلم هذا ظلم ، ألأنني امرأة وليس هناك ظهر يسندني، تريد أن ترمي بي في الخلاء وتتركني، وبعد شد وجدب وتمسك المرأة بحقها، وجد السائق نفسه في مأزق واضطر وهو يسب ويلعن اليوم الذي أصبح سائقا للحافلات ، أن يغير من وجهة الحافلة ويدخل إلى المحطة وهو يوشك على الإنفجار، لكن المفاجأة  الكبرى ، أنه بمجرد ماوصل، صرخ في وجه تلك السيدة قائلا : انزلي أيتها المتعوسة، وفي اللحظة التي بدأت تعد لوازمها استغل جيش من المسافرين معها الفرصة وبدأوا يتهافتون على النزول، استغرب السائق وقال وعلامات الغيض بادية عليه :" كنا في فيل فزادونا فيلة " وصرخ فيهم ولماذا أيها الجبناء لم تعلنوا على رغبتكم كما فعلت السيدة، يبدوا أن المرأة أَرْجَلَ -  من الرجال - منكم".
‎هذا مافي الحكاية، فصديقي ثأثر كثيرا من الحدث وتعاطف مع المرأة، لكنه لم يحرك ساكنا،- هو- وبقية المسافرين وظلوا يتفرجون طول الوقت في امرأة وابنتها في مواجهة هؤلاء الوحوش من " السائق والكرسون " وفي الأخير انتهزوا جميع نضالها وجهدها وبكائها وصراخها ونزلوا معها في المكان المفضل اليهم.
‎ألم أقل لكم أن صديقي شديد الحساسية، لم أراه يوما منفعلا بهذه الطريقة، لدرجة أنه وصف هؤلاء المسافرين  "بالكفار"، كان ينتظر من المسافرين أن يقوموا جميعا أو على الأقل نفر منهم لنجدة المرأة من قهر السائق و "جبروته " والوقوف معها ودعمها لأنها لم تطلب سوى حق مشروع ، ماهذه الأنانية  المفرطة ؟ يقول صديقي، ماهذا الجبن ؟ ماهذا الخواء الذي أصبح ينخرنا ؟ يأكل من أرواحنا ؟ هل فعلا لازالت لنا أرواح ؟ أيعقل أن تصرخ امرأة وتعيد الصراخ طول الطريق ونحن نغلق آذاننا ؟ أين كبرياء الرجل، بل حتى أين هو الرجل ؟ أين الواجب ؟ أين واجبنا نحن الأغلبية الصامتة عن الظلم البين ؟ لماذا لم نفعل شيئا يحافظ على الأقل على ماء وجوهنا ؟ فعلا إنها مآساة حقيقية ، فعلا لقد تحولنا إلى أكثر من قطيع ،أصبحت أشك في كل شيء، أصبحت أشك في نفسي..
‎أصدقكم القول لقد تعاطفت  كثيرا مع صديقي دون أن أحضر الواقعة، ودعته وأنا أتساءل مع نفسي، ترى ماذا كنت سأفعل لو كنت مسافرا معهم في هذه الحافلة، بصراحة سأفعل نفس الشيء، سأتألم من الداخل، وسألعن سائق الشاحنة بداخلي، وسألعنه بكل اللغات، وسألعن الوقت التي لم تتح لي الفرصة لأكون مالكا لسيارة أسافر فيها لوحدي بعيدا عن قذارة المجتمع.
‎ـ كاتب مغربي

آخر تعديل على الأحد, 23 تموز/يوليو 2017

وسائط

أعمدة الفيصل

  • Prev
19 تشرين1/أكتوير 2023

حولنا

‫"‬ الفيصل‫"‬ ‫:‬ صحيفة دولية مزدوجة اللغة ‫(‬ عربي و فرنسي‫)‬ ‫..‬ وجودها معتمد على تفاعلكم  و تعاطيكم مع المشروع النبيل  في إطار حرية التعبير و تعميم المعلومة‫..‬ لمن يؤمن بمشروع راق و هادف ‫..‬ فنرحبُ بتبرعاتكم لمالية لتكبير و تحسين إمكانيات الصحيفة لتصبح منبرا له مكانته على الساحة الإعلامية‫.‬

‎لكل استفسارتكم و راسلوا الإدارة 

القائمة البريدية

إنضم إلى القائمة البريدية لتستقبل أحدث الأخبار

Faire un don

Vous pouvez aider votre journal et défendre la liberté d'expression, en faisant un don de libre choix: par cartes bancaires ou Paypal, en cliquant sur le lien de votre choix :