بعد ذلك عرفت الحكاية، أمر بسيط جدا، فقط صديقي حساس جدا، ومفرط في العاطفة اتجاه الأحداث ذات الطابع الإنساني، كل مافي الأمر، أن سيدة كانت على متن حافلة في رحلة من مدينة الدارالبيضاء إلى مدينة قلعة السراغنة وطلبت من السائق عند الوصول إلى مدينتها إدخالها إلى المحطة لأن الوقت كان بعد منتصف الليل، والنزول على قارعة الطريق فيه تهديد لحياتها وحياة ابنتها التي لاتتعدى ثلاث سنوات، لكن السائق رفض رفضا مطلقا وبرر رفضه بأن الطريق لازالت أمامه طويلة للوصول إلى مدينة أخرى كانت هي نهاية الرحلة.
توسلت المرأة للسائق وقالت له : إن القانون يلزمك بالدخول إلى المحطة لمدة عشر دقائق وبعد ذلك لك الحق في متابعة الرحلة، لكن السائق رد عليها : من أنت لتعطيني التعليمات، أنا سيد نفسي. أنا من يسوق الحافلة وأنا من يختار المكان الذي يناسبني لأقف فيها دون أي ضغط أو توجيه أو ازعاج من أحد.
وصلت الحافلة إلى المدينة، اقترب السائق من المحطة وطلب من السيدة أن تنزل، رفضت الأمر بشدة، وقالت له : ولو على جثثي، فرد عليها السائق : إذن فلتتحملي تبعات إصرارك وعنادك الذي سيؤدي بك إلى مالايحمد عقباه، وفي اللحظة التي حاول الانطلاق، ارتمت السيدة وأمسكت مقود الحافلة بشدة، وهي تبكي وتصرخ، كانت تصرخ بشدة وتقول : هذا ظلم هذا ظلم ، ألأنني امرأة وليس هناك ظهر يسندني، تريد أن ترمي بي في الخلاء وتتركني، وبعد شد وجدب وتمسك المرأة بحقها، وجد السائق نفسه في مأزق واضطر وهو يسب ويلعن اليوم الذي أصبح سائقا للحافلات ، أن يغير من وجهة الحافلة ويدخل إلى المحطة وهو يوشك على الإنفجار، لكن المفاجأة الكبرى ، أنه بمجرد ماوصل، صرخ في وجه تلك السيدة قائلا : انزلي أيتها المتعوسة، وفي اللحظة التي بدأت تعد لوازمها استغل جيش من المسافرين معها الفرصة وبدأوا يتهافتون على النزول، استغرب السائق وقال وعلامات الغيض بادية عليه :" كنا في فيل فزادونا فيلة " وصرخ فيهم ولماذا أيها الجبناء لم تعلنوا على رغبتكم كما فعلت السيدة، يبدوا أن المرأة أَرْجَلَ - من الرجال - منكم".
هذا مافي الحكاية، فصديقي ثأثر كثيرا من الحدث وتعاطف مع المرأة، لكنه لم يحرك ساكنا،- هو- وبقية المسافرين وظلوا يتفرجون طول الوقت في امرأة وابنتها في مواجهة هؤلاء الوحوش من " السائق والكرسون " وفي الأخير انتهزوا جميع نضالها وجهدها وبكائها وصراخها ونزلوا معها في المكان المفضل اليهم.
ألم أقل لكم أن صديقي شديد الحساسية، لم أراه يوما منفعلا بهذه الطريقة، لدرجة أنه وصف هؤلاء المسافرين "بالكفار"، كان ينتظر من المسافرين أن يقوموا جميعا أو على الأقل نفر منهم لنجدة المرأة من قهر السائق و "جبروته " والوقوف معها ودعمها لأنها لم تطلب سوى حق مشروع ، ماهذه الأنانية المفرطة ؟ يقول صديقي، ماهذا الجبن ؟ ماهذا الخواء الذي أصبح ينخرنا ؟ يأكل من أرواحنا ؟ هل فعلا لازالت لنا أرواح ؟ أيعقل أن تصرخ امرأة وتعيد الصراخ طول الطريق ونحن نغلق آذاننا ؟ أين كبرياء الرجل، بل حتى أين هو الرجل ؟ أين الواجب ؟ أين واجبنا نحن الأغلبية الصامتة عن الظلم البين ؟ لماذا لم نفعل شيئا يحافظ على الأقل على ماء وجوهنا ؟ فعلا إنها مآساة حقيقية ، فعلا لقد تحولنا إلى أكثر من قطيع ،أصبحت أشك في كل شيء، أصبحت أشك في نفسي..
أصدقكم القول لقد تعاطفت كثيرا مع صديقي دون أن أحضر الواقعة، ودعته وأنا أتساءل مع نفسي، ترى ماذا كنت سأفعل لو كنت مسافرا معهم في هذه الحافلة، بصراحة سأفعل نفس الشيء، سأتألم من الداخل، وسألعن سائق الشاحنة بداخلي، وسألعنه بكل اللغات، وسألعن الوقت التي لم تتح لي الفرصة لأكون مالكا لسيارة أسافر فيها لوحدي بعيدا عن قذارة المجتمع.
ـ كاتب مغربي
مختصرات :
حكاية مجتمع كافر....
- السبت, تموز 22 2017
- مدير الموقع
- وسائط
*بقلم: عبد الكريم ساورة
أمر مؤسف جدا أن يحدث ذلك، هكذا أخبرني أحد الأصدقاء، فأجابته وماذا حدث ؟ ماذا سأحكي لك ياصديقي، كل يوم نرجع به ألاف الخطوات إلى الوراء، لا أعرف ماذا حدث لنا نحن المغاربة، لماذا بدأنا نفقد كل ود بذواتنا، بأخلاقنا التي تربينا عليها، لقد تحولنا بقدرة ما لا أعرفها ولا أفهمها ولا أستطيع استسغاءها إلى مجتمع كافر، كافر بتأدية الواجب .
من أحدث مدير الموقع
- الحرب على غزة: تحقيق لـ"نيويورك تايمز": أين كان الجيش الإسرائيلي يوم 7 أكتوبر؟
- « السندباد و الملكة »: إصدار جديد للكاتب المصري « محمد عزام »
- الوضع في الأراضي المحتلة: اليوم التالي لانتهاء العدوان الإسرائيلي على مخيم جنين
- الجزائر تجدد رسميا تمسكها بالحق المشروع لإفريقيا في العضوية الدائمة بمجلس الأمن
- متى سنزيل النقطة عن الــ (غ)؟
وسائط
El-Fayçal Météo طــ الفيصل ـــقس
- سخرية الفيصل
- أعمدة الفيصل
-
الحرب على غزة البطلة: صور النصر المفقودة وأماني العدو المستحيلة
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي La guerre contre l’héroïque…
-
عد انتهاء مدة الهدنة الإنسانية توقعات واحتمالات/ نبل المقاومة وخسة الاحتلال في ملف الأسرى والاعتقال
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي نبل المقاومة وخسة الاحتلال في…
-
رأي: تعثرٌ عسكري في الميدان وتخبطٌ سياسي في الكيان أمّا نتنياهو فهوَ مُستهزئ من القمة العربية الإسلامية و بقراراتها!
رأي بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي Opinion: Essoufflement militaire sur…
-
الاستعادة الخلدونية:
مولاي عبد الحكيم الزاوي ابن خلدون علامة فارقة في مُنجز…
-
/عرب إسرائيل الجدد! / The new Arabs of Israel!/ Les nouveaux Arabes d'Israël !
بقلم: أحمد القيسي | لندن هل سقطت الغيرة والنخوة…
-
*ما هذا الخجل يا كُتّاب و يا مبدعين.. يا قامات الاِفتراض!
ـ كتب: لخضر خلفاوي Pourquoi cette timidité, ô…