wrapper

السبت 20 أبريل 2024

مختصرات :

*بقلم: غريبي بوعلام | الجزائر

 

هيأ لهم الأمر الشيطان؛ جلدوا ظهر أمارة بالسوء. خُلِق الإنسان و بين جنبيه هذه النفس التي يمكنها أن تكون مطمئنة أو أمارة بالسوء أو لوامة، و ما على الإنسان إلا أن يختار أيهما يريد، لأن الخالق منحه حرية الاختيار، و ذلك باستعمال العقل، كما منحه الوسائل للإرتقاء بها إلى الأعلى،و سد المنافذ التي توصل الإنسان إلى النفس الخبيثة الأمارة بالسوء،لهذا منع الخلوة بالأجنبية و أوصانا بالإستعاذة من وساوس الشيطان و تغليب العقل على النفس التي توردنا المهالك و المنحذرات الوعرة.


هذه الومضة تأكد لنا هذه المعاني و تحثنا بطرقة غير وعظية للتحلي بالخُلق العظيم و إمساك زمام هذه النفس التي تجرنا إلى الغرق في الأوحال.
فيها تشابه أو تقارب جميل مع قصة يوسف عليه السلام المذكورة في القرآن الكريم مع إمرأة العزيز التي هيأت الأمور و خططت جيدا لتوقعه في حبالها، لكن يوسف عصمه الله و جلد نفسه التي بين جنبيه و هذا ليس بالأمر الهين السهل في مثل ذلك الموقف الذي يذُهِب العقل و يتخدر( الجمال.زوجة عزيز مصر. القصر. الجاه. الأموال. الأبواب مغلّقة....الخ ) و نلمس أن هناك تلميح مبطن خلف معاني الومضة و إيحاءاتها قول الرسول ص في السبعة الذين يظلهم الله تحت ظل عرشه يوم لا ظل الا ظله، و احد من هؤلاء السبعة رجل دعنه إمرأة ذات منصب وجمال فقال إن أخاف الله،و هذا اليوم هو يوم الحشر الأكبر لكل البشرية فتدنو الشمس من رؤوس البشر قدر شير واحد، فيغرقون في عرقهم، و الومضة تذكرنا بهذا اليوم بطريقة غير مباشرة، و الأدب أو الإبداع لا يوجد فيه الوعظ و لا الارشاد لأن هذه الأمور توقع الإبداع في فخ المباشرة و الخبرية وهما عدوتان للإبداع،و هنا يظهر لنا ذكاء صاحب النص في كيفية تمرير رسالته الخفية الرائعة من خلال كلمات مركزة مشحونة بإيحاءات رقيقة يتقبلها القارئ و هو ربما لا يعي ذلك.

كما لا يخفى أن النص مبثوث فيه جانب كبير من شخصية الكاتب ونظرته السامية،و يصور لنا ذلك المشكل الاجتماعي الذي غض المجتمع عنه الطرف لأنه من الطابوهات التي لا ينبغي التطرق لها،و جاء هذا النص ليكسرها.
العنوان : غواية مصدر و هو من فعل غوى و يغوي ، و هي الضلال والانقياد للهوى، و هذا المعنى نلمسه جيدا من خلال سياق الومضة، و هو ليس جزءا من متنها، جاء وسط بين الغموض و كشف المعنى، وهو عتبة جيدة لولوج متن الومضة .
صدر الومضة : ( هيأ الأمر لهم الشيطان) هذا الشطر مكثف و فيه اشارة إلى وساوس الشيطان التي تسيطر على بعض النفوس الضعيفة فتنقاد له بكل سهولة و يسر، كما يمكن أن يكون المقصود هنا شيطان انسي من بني البشر الذي يتقن دور شيطان الجن بحرفية كبيرة و ما أكثرهم في زماننا هذا، خاصة مع أصحاب المصالح الكبرى الذين يتاجرون بالجنس، و المقصود هنا هي الخلوة الممنوعة التي غرضها الفاحشة التي تمارس في الخفاء البعيد عن أعين الناس.
عجز الومضة : ( جلدوا ظهر أمارة بالسوء ) جاء هذا الشطر الثاني بصيغة الجمع (جلدوا ) بمعنى أن ذلك الرجل و المرأة امتنعا عن ممارسة تلك العلاقة رغم توفر كل الظروف لفعلها بكل حرية، و ذلك بعد أن زجرتهم نفوسهم و تذكرهم أن الخالق عز وجل مطلع عليهم رغم الأبواب المغلّقة، في هذا الشطر اشارة رائعة إلى ارتقاء النفس الأمارة بالسوء إلى النفس اللوامة و استيقاظ الضمير و تغليب العقل بالتفكير في عواقب هذه العلاقة الممنوعة التي مصيرها الوقوع في حفرة الندم حين لا ينفع، و أثرها سيكون وخيما و شديدا على الرجل و المرأة و خاصة المرأة لأن الأثر الجسدي يبقى فيها كالوشم الذي لا يمحوه الزمن و ما يترتب عليه من مشاكل عويصة في مجتمعاتنا المحافظة.
هذا الشطر شكل لنا تلك المفارقة القوية التي قلبت الموازين رأسا على عقب، و أثقلت الكفى ليطيش معنى صدر الومضة و هذا ما صدم شعور و احساس القارئ و جعله مندهشا من هذا الموقف الصعب الذي كله اغراء في اغراء و كيف تمكنا النجاة من هذا الوحل من العسل ، الى درجة أنه لا يكاد يصدق حدوث موقف مثل هذا الموقف القوي الذي يتطلب أقوى عزيمة و أكبر ارادة، هذا الموقف الذي يذكرنا بموقف يوسف عليه السلام.

 

آخر تعديل على الإثنين, 14 آب/أغسطس 2017

وسائط

أعمدة الفيصل

  • Prev
19 تشرين1/أكتوير 2023

حولنا

‫"‬ الفيصل‫"‬ ‫:‬ صحيفة دولية مزدوجة اللغة ‫(‬ عربي و فرنسي‫)‬ ‫..‬ وجودها معتمد على تفاعلكم  و تعاطيكم مع المشروع النبيل  في إطار حرية التعبير و تعميم المعلومة‫..‬ لمن يؤمن بمشروع راق و هادف ‫..‬ فنرحبُ بتبرعاتكم لمالية لتكبير و تحسين إمكانيات الصحيفة لتصبح منبرا له مكانته على الساحة الإعلامية‫.‬

‎لكل استفسارتكم و راسلوا الإدارة 

القائمة البريدية

إنضم إلى القائمة البريدية لتستقبل أحدث الأخبار

Faire un don

Vous pouvez aider votre journal et défendre la liberté d'expression, en faisant un don de libre choix: par cartes bancaires ou Paypal, en cliquant sur le lien de votre choix :