طباعة

*بقلم: د.كفاح جرار | الجزائر


هل فكر أحدكم في التماثل العظيم بين العقل المثقوب والإنسان المثقوب؟. العقل هنا بمعنى الفكر والمعرفة، ومن يعبر عنهما، فأنت ترى الرجل فيعجبك ملبسه ورائحته وحذاءه اللامع، لكن يبدأ تقييمك الحقيقي له ساعة ينطق ويتكلم، وأما الإنسان الأشبه بغربال خرب، فهو الذي تنازل عن كرامته البشرية حتى إشعار آخر، قيل أنه سيقابل ربه يوم الحساب وليس في وجهه قطعة لحم.


هل يعقل عودة "الطلابين" بقوة إلى الشارع، فيما يشبه نظام المناوبات، بل إني شاهدت أحدهم يوزعهم ويحدد لهم أمكنتهم، وكان يحمل في يده جهازين خلويين/ موبايل/ وأحيانا ثلاثة بورتابلات، يستعملها لتحديد أماكن موظفيه الشحاذين. ثم بعد ذلك يتبجح بعضنا في شتم الملك العباسي العادل هارون الرشيد والانتقاص منه، على اعتبار حالنا وزمننا أفضل من زمنه بكثير، قد يكون النقص واقعا ملموسا لكن ليس إلى الحد الذي نحن فيه، يوم استل بعضنا سيف القتل تجاه بعضنا الآخر باسم الجهاد والتقرب إلى الله تعالى، فصرنا أضحيات عيد بلا عيد.
أخبروني يرحمكم الله كيف يكون الملك العباسي هارون الرشيد فاسقا ونحن نصفه "بالرشيد" وهو لم يفرض هذه الصفة ولم يشترينا لنطلقها عليه، وقد تعارفنا أنه رشيد وذلك ضد الفسق والفحش والفجور، فأمسكوا ألسنتكم قبل أن يقطعها الله تعالى لكم. وإذن .. هل تعرفون العقل المثقوب، أو بالأحرى اللسان المثقوب المعبر عن إنسان مثقوب؟.
فلماذا تستعمل لغة غيرك للدلالة عما في نفسك؟ أهو الكبر بهم أو التماهي معهم أو احتقارك لنفسك؟. في هذا المقام، لا ينفع اللحام ولا الترقيع أو أي علاج آخر، لأن الثقب أصاب عمق الثقافة والفهم، تماما كمن تحدثه عن الأضحى فيحدثك عن الخروف والشوي والطعام، وكأن عيد الحج صار مساويا ومرادفا ومعلوما برائحة القدور المنبعثة من المطابخ، حيث صارت المرأة، مثل رمضان، مرغمة وهي راضية على لعب دور الطباخ الماهر، وهو الدور الذي تفر منه أو تحاول التملص من أدائه في بقية أوقات السنة، لكن رمضان يرغمها سعيدة على قضاء فترة طويلة من حياتها في تلك الغرفة الصغيرة الحارة ذات الروائح الحريفة.
هنا يفقد الإنسان بعضا من قيمته لصالح معدته، فكيف بالذين يمدون أيديهم كذبا وفرية، هل يمكن الحديث عن أية قيمة لبني آدم مع هؤلاء، وهو الذي حظي بتكريم مولاه وخالقه.
قد يقتل المرء جملا أو حصانا أو خروفا ونعجة بسيارته وعن طريق الخطأ، فذلك يحدث كثيرا، أن تصطدم سيارة بثور وبقرة أو حتى غزال وطائر، وكما أسلفت يحدث ذلك عن طريق الغلط، فما من عاقل يرغب في الاصطدام بجمل يسعى أو بقرة قطع رسنها، وما على الإنسان ساعتها إلا أن يتوب ويستغفر ربه، ولكن إن حدث واصطدم ببشري مثله فلا ينفع التوب والاستغفار مع أهميتهما فعليه محاكمة وكفارة وقضاء ودية وأشياء أخرى، وتلك هي قيمة الإنسان عن بقية الكائنات الأرضية، فيأتي من يعصف بهذه القيمة ساعة يمد يده مستجديا طامعا بما في جيوب غيره، وقد استمرأ هذه المهنة التي تدر عليه دخلا كبيرا لكن بدون كرامة ولا شرف ولا مروءة. إنهم يكادون يعصفون بقيمنا، ألا تشعرون بذلك؟.

آخر تعديل على الأربعاء, 02 آب/أغسطس 2017

وسائط