-هذا هو حال الْيَوْمَ معظم مبدعينا و الأدباء المبتدئين العرب حال نشرهم لقصيدتهم الأولى أو كتابهم الأول !تصوروا حجم -الانتفاخ الأجوف- الذي يصير عليه التلميذ لما يكبر و يجتاز كل أطوار التعليم و يتخرج و يحصل على شهادة جامعية !
*
ـ موضوعي هذه المرة هو تناول "الهدف" أو الغاية من " الكتابة": لماذا و لمن نكتب ؟ و لا أقول كيف أو متى فهذه خاصية و ملكية الكاتب لتناول المكتوب. كنت في السنوات الخالية الغابرة أوجه نقدي بالخصوص للأجهزة ( المؤسسات) الثقافية الرسمية للبلاد العربية و للنخبة العربية و العلاقة الوطيدة بينهما.. حيث كانت و أظن لا تزال هذه العلاقة علاقة وطيدة حيث تكاد هذه" النخب" متماهية مع سلطات البلد و تجمعهم أجندة واحدة ؛ كل هذا يصب في فرض " هوية ثقافية" محروسة حراسة شديدة .. السلطة تستمد بعض من شرعيتها التسلطية من وجود أبواقها في النخبة و النخبة تتقوى و تتدعم بتزكية السلطات الرسمية مقابل المآرب و المناصب و إلى غير ذلك من التبادلات المنفعية بين سلطات أغلبها وصية بالقوة على الشعب و بين " نخب" نصبت نفسها وصية على كل ما يُخط و يُكتب و يُنشر، و كانت وسائل الإعلام و دور النشر هي الأدوات التي توثق و تؤرخ لهذه السياسة فكل من يسبح خارج هذه التأطيرات يعتبر غير مرغوب فيه و فاقد للمصداقية. لهذا فقد نتجت منذ رحيل الاستعمار و بعد الحرب العالمية الثانية نخبا عربية تتحدث تقريبا نفس اللهجة و لها نفس التصور و الفكر إلى غاية نهاية السبعينيات و بداية الثمانينات ظهرت موجات جديدة و نشأت أجيال غيرت منهجيا نوعا ما من حركية هذا الفعل ( النشر و الحراك الثقافي).. كنتُ من بين الذين يعتقدون أن الجيل الجديد هو ضحية بالدرجة الأولى لأنظمة ليست نزيهة و لا مشجعة على الاختلاف الفكري و الإبداعي و لا تزكي إلا أبواقها من " المرضي عنهم" في قطاع الثقافة و الأدب و تهميش طاقات جبارة صاعدة و واعدة في مجال و حقل الكتابة الأدبية.. المشكلة مع تعدد التجارب ، أن هؤلاء من كنا نعتقدهم ضحايا التهميش و الإبعاد و التغييب عند توفر أول فرصة لتقلب منصب ما أو الحصول على مرتبة معينة تتغيّر المواقف و اللهجة عندهم و سرعان ما نجدهم في الضفة الأخرى التي كنا نحاربهم ( نجادلهم) فيها فكريا و إعلاميا.. و منه تتضاءل آمال إحداث ثورة حقيقية فكريا لإعادة تنظيم أو ترتيب العمل الأدبي الثقافي في أوطاننا.. و خلصنا ـ بالتجربة الواقعية ـ إلى أن المشكلة لا تنحصر في أنظمة شمولية تستعمل نخبها و من والاها من الكتاب و الإعلاميين كأبواق و تشويه الحقيقة الإبداعية و الثقافية فحسب ، بل المشكلة هي جد عميقة و شائكة و أن الإشكال لا يأتي من القمة سواء كانت نخبة مزكاة من قبل النظام أو من النظام نفسه من خلال بسط نفوذه و عن طريق منشورات إبداعية أدبية تحجب عن الملأ عورته و سوأته؛ بل الإشكال أو المرض قادم من القاعدة أو من الرحم.. و الناشئة ، أي أن العقلية الإبداعية الأدبية تنشأ منذ الصغر و تكبر بجينات و موروثات شبيهة" بجينات و موروثات الهوية الفكرية الإبداعية السلفية. فمعظم من شق طريقه في حقل الإبداع يتخذ " السلف" من النخب التي ذكرناها دون ـ تخصيص ـ كمرجعية؛ لا إيمانا و اقتناعا بمدى رجاحة فكرها و ما قدمته للموروث الثقافي الوطني و القومي و إنما تقليدا للوصول إلى الغاية! والغاية لا يتصور أي عاقل أنها تصب معظمها في تطوير الحس المعرفي الثقافي لدى الفرد العربي و إنما الغاية هي " الألقاب " و ما اشترك بالألقاب من منافع و مآرب و التجرّد من حياة و واقع المراتب الدنيا و تطليق الشارع و الأماكن العامة و العيش في مستوى آخر يليق بصفات " المبدعين و الكتاب" و لمَ لا بـ " المشاهير"!! بالمختصر الشديد و على العموم فالمبدع و الكاتب العربي متمرسا كان أو مبتدئا لا يكتب و لا يبدع من منطلق قضية جماعية مشتركة ليغيّر وضع أمته و مجتمعه، بل يكتب بكل " أنانية" لنفسه ( و من حقه) بغية التميّز و الانفراد و الانعزال ربما عن عامة الناس و همومهم وقضاياهم المصيرية، فهدف المعظم المشترك للأسف هو؛ تكوين "اسم شهرة " على الساحة و الحصول على الامتيازات المرتبطة بشكل آلي بـ "صفة و لقب" الكاتب و الشاعر و المفكّر و إلى غير ذلك من الألقاب التي تصدع آذاننا ليلا نهارا.. و قد تحدثنا و كتبنا في هذا الشأن قراءاتا مختلفة و وثقنا ذلك إعلاميا في الماضي القريب أهمها مقال ماسح شامل للوضع كتب في 2016 بعنوان " الرئيس على كرسي متحرك .. و نخب مريضة لا تتحرك ..
Mégalomanie générale"
نشر في " الوطن الجزائري" و مقال آخر في نفس السنة بعنوان:" الكاتب الحقيقي" ـ شارع الصحافة ـ مصر. و خلاصة فكرتي تتمثل في هذا النداء أو الرسالة الموجهة إلى المبدعين بكل مراتبهم و أعمارهم :
تخطئون الهدف إذا كانت غايتكم " مشاهدة كُنياتكم الشخصية على كتب طبعتموها ( دون أن ندخل في تفاصيل العقود الموقعة مع دور النشر) و مقالات كتبتموها و قصائد وثقتموها و نواد و صالونات أدبية حضرتموها و ميكروفوناتا ـ لَعَقْتُمُوها ـ و فضاءات افتراضية كنتم أنتم بهلوانِيُوها ، أنشروا في الشهر مئات القصائد و في العام عشرات الكتب و احضروا ما شئتم من الملتقيات لن يسجل التاريخ إلى " السمين منها و الأصدق و الأبلغ" و البقية ستُرمى في سلة المهملات، و إن كنتم تحملون قضية ذات بعد شامل كبير و كانت غايتكم ليست شخصية و لا فردية ، بل جماعية ، كأن تكون محاولة في الارتقاء بالأمة و الوطن و الدفاع عن مقوماتهما الثقافية التاريخية الدينية دون أي سلوك إرادي إقصائي تهميشي تغييبي لبعضكم البعض سوف تصلون ـ بإذن الله ـ إلى ما يجعلكم راضين كل الرضا عن ما قدمتموه في حياتكم قبل رحيلكم عن هذا العالم و لو تبعكم قليل القلة . لا يغرّنكم كثرة " الإنتاج" ففي نهاية المطاف للعبث طعم " أُجاج".. أياكم و الأمانة .. انتبهوا للقلم يا مبدعين من كتاب و شعراء و انظروا إلى ما تسطرون !
***
طالعوا الصفحة الإجتماعية للصحيفة و اشتركوا فيها إن كنتم من ناصري الكلمة الحرة و العدل:
: https://www.facebook.com/khelfaoui2/
- Pour visiter notre page FB,et s'abonner si vous faites partie des défendeurs de la liberté d'expression et la justice cliquez sur ce lien: