ومن عجائبنا، التي نكاد ننفرد فيها عن غيرنا، أن الشيوخ عندنا هم الذين يحتفون للشباب بذكراهم، وربما هم يحتفون بشبابهم الضائع في سنوات العراك والقتال والحرمان أيضا، فوجدوا في أنفسهم موجدة أي حسرة وألما على شباب فات ولم ينعموا فيه كما يتمتع شباب اليوم.
ولكن هل يتمتع شباب اليوم وينعمون؟.
ليس للعجائز الذي شربهم الدهر أن يجيبوا عن السؤال، ولكن واقع الحال هو من يمتلك الإجابة الصحيحة الكافية الوافية، فعندما يدرس الشباب في جامعات لائقة، وقبلها في مدارس نموذجية، ثم يتخرجون وهم باسمون فرحون بالآتي، ثم يعملون من كل حسب طاقته ومعرفته وخبرته، ويحظى كل شاب بسكن لائق سواء كان متزوجا أو عازبا، ولديه من أساسيات الحياة ما يحتاج وأكثر، ساعتها لنا أن نحسد الشباب على حياتهم، فهم وقتها ينعمون وعجوز جزيرة السندباد يجترون.
هل تعرفون قصة عجوز الجزيرة في حكايا السندباد البحري ؟ إنه الذي يستغل عطفك ولطفك فيركب ظهرك ولا يتركك إلا هالكا محطما، وكذلك هم عجائز سلطتنا.
أما واقع الحال فيؤكد أن الشيوخ والعجائز والهرمين هم الذين ينعمون والشباب الفتي الواعد يجترون ويلوكون لوكا.
فلا عجب بعدها إن لم نجد في فم أحدهم، أقصد الشباب، سوى بضعة أسنان، لا تصلح حتى للابتسام، فكيف لها أن تقطع اللحم هذا إن وجدته، وقد وعدنا وزراء في حكومتنا العجوز أننا سنجد الشحم واللحم والمرق والسمك، على أبواب رمضان، وعندما نزلنا الأسواق فوجئنا بما يعصف بكل وعود حكومتنا العجوز.
سمعت أحدهم يقول، أقسم أن وزراءنا لا ينزلون الأسواق ولا يحملون القفة، ولا يحتاج الحالف للكفارة فقد صدق في يمينه، والكفارة على من وعد وأقسم وهو كاذب أو منافق.
وبعد نصف قرن من الاستقلال ما زال فينا كثيرون يحلمون باستقلال ذاتي، فماذا كان يصنع عجائز اليوم في شبابهم آنذاك؟.
من عجائبنا التي تعد فرصة لمراكز البحث الطبية، أن أمراض الشباب عندنا هي أمراض الشيخوخة، وأمراض الشيوخ هي أمراض الشباب، فكيف نفسر ذلك؟.

 PAGE   \* MERGEFORMAT 1